التضخم ينهش جيوب الفقراء!!
30/03/2022 11:24:13

الكثير منا يتفاجأ بالارتفاع المهول في أسعار السلع والمواد الغذائية الحادث مؤخرا في السوق, هذه الظاهرة ليست حصرا على اليمن فقط بل هي موجة تضرب العالم لتبلغ مستويات قياسية عن الموجة الأكبر، التي كانت في العام 2011م, لقد كانت بوادر التعافي من جائحة كورونا احد اهم الاسباب التي اسهمت في زيادة التضخم بارتفاع اسعار المواد الأولية وزيادة مدخرات الأفراد وما ترتب عليها من اضطرابات سلاسل الامداد, وصولا الى المحطة الجديدة في فصل الصراع بين روسيا واوكرانيا الذين يعتبران من أكثر الدول تصديرا للسلع الأساسية, والتي يعتمد عليهما في اقتصادات الكثير من الدول الأوروبية والشرق الأوسط وإفريقيا الذين وضعوا مؤخرا أمام واقع  يفرض عليهم البحث عن بديل ولو بكلفة أعلى.

في ظل هذه المعطيات فإن معظم الأسر في العالم أمام تحد كبير؛ فالأسعار المرتفعة يمكن أن تؤدي إلى تآكل قيمة الأجور والمدخرات الحقيقية، مما يجعل الأسر المتوسطة والفقيرة أكثر فقراً، إلا أن الشعور بهذه الآثار يتفاوت من فئة إلى أخرى،  حيث تكون الأسر منخفضة ومتوسطة الدخل أكثر عرضة لمخاطر ارتفاع معدلات التضخم من الأسر الأكثر ثراءً. ويعكس هذا الأمر تركيبة دخلهم، وما لديهم من ممتلكات وأدوات مالية، وأنواع سلة سلعهم الاستهلاكية، وعلى الرغم من ذلك، قد يكون تأثير التضخم على الأسر الأشد فقراً التي تعيش تحت خط الفقر العالمي غير مباشر على نحو أقل، ويُعزى ذلك الأمر إلى أن الأسر الأشد فقراً لديها حد أدنى من الدخل من الأجور، أو الممتلكات، وهي تعتمد في العادة على الدخل غير النقدي - مثل الزراعة التي تحقق حد الكفاف، أو المقايضة - التي قد تكون أقل عرضة لمخاطر التضخم.

ويختلف هذا التكيف من دولة لأخرى, فالدول المتقدمة لديها نظام رعاية اجتماعية ونظام إعانات يساعد الأسر المتوسطة والفقيرة من تقليل الهوة بين مستوى الارتفاع في الأسعار ومستوى الدخل, في حين لا ينطبق هذا الامر على الدول النامية التي يظهر فيها معاناة المواطنين في الطبقات المتوسطة والمتدنية من اثار التضخم بسبب محدودية الدخل والمتمثلة في الاجر او الراتب الذي لا يوازي في نموه مستويات التضخم, وهو ما يدفعهم الى استهلاك المدخرات أو الاستدانة في بعض الأحيان كنموذج للاستهلاك الذاتي لتوفير أبسط متطلبات الحياة الأساسية.

 في حين يعتبر الأثرياء الأقل تأثرا بسبب اعتمادهم في دخلهم على الاستثمار والأعمال الحرة  أو حتى توفرهم على أدوات مالية مثل المدخرات وعوائد تسهم في معالجة المعضلة، مع توفر بدائل أخرى تمكنهم من التحكم في الاستهلاك المستحث أو الاختياري.

وفي سياق آخر, فإن مستوى الإنفاق للأسر المتوسطة والفقيرة في الدولة النامية على السلع والمواد الغذائية حوالي 50% من الداخل, في حين يبلغ الإنفاق لنفس التركيبة من السلع لدى الأثرياء حوالي 20% وهو ما يعكس عادات الاستهلاك بين الأغنياء والفقراء.

بالتأكيد هذه القاعدة لا تنطبق على الأسر المنتجة أو المعتمدة على مشاريع متوسطة وصغيرة التي قد تستفيد من هذا التضخم بسبب قلة اعتمادها على المصادر الثابتة للدخل، وبالتالي تحقق ميزة تقليل هوة التضخم أو معادلتها.

في ظل ما هو مشاهد فإن آثار التضخم تكون أقل وطأة بالنسبة للطبقات الثرية في حين تكون أكثر حدة على الطبقات المتدنية, الأمر أشبه بتمرير الخطر الحاصل لدى شركات التامين Risk Forward, بحيث يتم تحميل العبء على الحلقة الاستهلاكية اللاحقة؛ فالمستورد يمرر عبء الاستيراد وسلاسل الإمداد على تاجر الجملة, وتاجر الجملة يمرر الكلفة مع الربح على تاجر التجزئة, وتاجر التجزئة يمرر الكلفة مع الربح على المستهلك الأدنى, والمستهلك الأدنى إما أن يقلل من مدخراته في سبيل الاستهلاك أو سحب من تلك المدخرات، وهكذا تتسع الهوة بين الأغنياء والفقراء.

الاستهلاك الذاتي:

في سياق التقليل من الإنفاق عادة ما يلجأ الأفراد الذين لا يتوفرون على الدخل (يساوي صفر) الى تحديد الحد الأدنى من الاستهلاك الضروري وتوفيره، إما عبر الاستدانة أو السحب من المدخرات, وهو ما يتم تسميته بـ(الاستهلاك الذاتي), قد يظهر هذا المفهوم في أن يتم الاستغناء عن الخدمات التي تتطلب مدفوعات كأن يقوم الشخص بإصلاح الأعطال المنزلية دون الاستعانة بمهندس أو مهني, أو أن يقوم بزراعة أرض واستهلاك محصولها بنفسه بدلا من دفع تكاليف إضافية, إن هذه المفهوم أصبح دارجا بشكل كبير في الوقت الراهن ومستخدم من قبل الأسر المتوسطة والفقيرة كمعالجة جزئية لمعضلة التضخم.

المعالجات المقترحة:

أصبح تدخلات الحكومة أمر حتمي لمعالجة هذه المسألة حيث إن انهيار الطبقة العاملة سيؤدي حتما الى سلسلة من الانهيارات المتلاحقة التي تصيب مؤسسات الأعمال, ومن أمثلة هذه التدخلات, تقليل الرسوم الحكومية أو تقنين عملية الاستيراد للسلع وفق تسعيرة وضوابط محددة ,او زيادة الانفاق الحكومي للإعانة للأسر الأكثر فقرا أو حتى دعم للسلع الأساسية والذي يجب أن يستتبعه إجراءات علاجية تتمثل في الاستثمار في البنى التحتية وفتح مجال الاستثمار وتحديد حدود دنيا للأجور مع كل موجة تضخم غير مستهدفة.

 

صـــــــــــــــلاح الفائق

 المصادر: مقالة اندرميت جيل &بيتر ناغل ( التضخم ينهش جيوب الفقراء في العالم)...



 
عوده الي الاعلى

جميع الحقوق محفوظة لدى مال واعمال